الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المتواري على أبواب البخاري
.كتاب الجهاد: .باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء: فيه أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام فتطعمه، وكانت تحت عبادة ابن الصامت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه، فنام النبي صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ، وهو يضحك. قلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر، ملوكاً على الأسرة». أو: «مثل الملوك» شك إسحاق. قالت: فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم. فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك فقال مثل مقالته الأولى، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: «أنت من الأوّلين». فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان، فصرعت عن دابتها حين خرجت، فهلكت. قلت: رضي الله عنك! مدخله في الفقه إن الدعاء بالشهادة حاصله أن يدعو الله أن يمكن منه كافراً يعصي الله، فيقلته. وقد استشكل أجزاء الدعاء بالشهادة على القواعد إذ مقتضاها أن لا يتمنى معصية الله لا له ولا لغيره. ووجه تخريجه على القواعد أن الدعاء قصداً إنما هو نيل الدرجة الرفيعة المعدّة للشهداء. وأما قتل الكافر فليس بمقصود الداعي. وإنما هو من ضرورات الوجود، لأن الله تعالى أجرى حكمه أن لا ينال تلك الدرجة إلا شهيدٌ. فلهذا أدخل البخاري هذه الترجمة، وعضدها بالأحاديث- رحمه الله تعالى-. .باب قول الله تعالى: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} [التوبة: 52] والحرب سجال: قلت: رضي الله عنك! استشكل الشارح الترجمة بالآية، ومطابقتها لحديث هرقل، من حيث أنه ظن أن المطابقة في قوله: الحرب بيننا وبينه سجال, مع قول هرقل: وكذلك الرسل. والتحقيق أن البخاري ما ساق الحديث إلا لقوله: «وكذلك الرسل تبتلي، ثم تكون لهم العاقبة». فبهذا يتحقق أنهم على إحدى الحسنيين: إن انتصروا فلهم العاجلة، وإن انتصر عدّوهم، فللرسل العاقبة. والعاقبة خير من العاجلة، وأحسن. ففي تمام حديث هرقل تظهر المطابقة. والله أعلم. .باب العمل الصالح قبل القتال: وفيه البراء: أتى النبي صلى الله عليه وسلم على رجل مقنع بالحديد، قال: يا رسول الله، أقاتل وأسلم. قال: «أسلم ثم قاتل»، فأسلم ثم قاتل فقتل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عمل قليلٌ وأجرٌ كثيرٌ». قلت: رضي الله عنك! المطابقة بين الترجمة وبين الحديث ظاهر إلا قوله: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} [الصف: 2] لكن وجهه على الجملة أن الله تعالى عاتب من قال أنه يفعل الخير، ولم يفعله. ثم أعقب ذلك بقوله: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا} [الصف: 4]. فأثنى على من وفى وثبت، ثم قاتل. والله أعلم. وفي الآية بالمفهوم الثناء على من قال وفعل، فقوله المتقدم، وتأهبه للجهاد عملٌ صالحٌ قدمّه على الجهاد. .باب من اغبرّت قدماه في سبيل الله: فيه أبو عبس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما اغبّرت قدما عبدٍ في سبيل الله، فتمسّه النار». قلت: رضي الله عنك! المطابقة بين الآية والترجمة في آخر الآية عند قوله: {ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار} [التوبة: 120]. فأثابهم الله بخطواتهم وإن لم يلقوا قتالاً. .باب الغسل بعد الحرب والغبار: قلت: رضي الله عنك! إنما بوّب عليه لئلا يتوهم كراهية غسل الغبار، لأنه من حميد الآثار كما كره بعضهم مسح ماء الوضوء بالمنديل، فبيّن جوازه بالعمل المذكور. .باب الجنة تحت بارقة السيوف: فيه ابن أبي أوفى: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف». قلت: رضي الله عنك! لم يترجم على الحديث بلفظه، فإما أن يكون لفظ الترجمة في حديث آخر لم يوافق شرطه فنبّه عليه في الترجمة، أو نبّه على معنى: «تحت ظلال السيوف»، وأن السيوف لما كانت لها بارقة وشعاع، كان أيضاً لها ظل بحسبها. والله أعلم. .باب الشهادة سبعٌ سوى القتل: وفيه أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الطاعون شهادة لكل مسلم». قلت: رضي الله عنك! أشكل على الشارح مطابقة الترجمة لحديث: «الشهداء خمسة». فقال: هذا دليل أن البخاري مات ولم يهذب كتابه. وكأنه أراد أن يدخل في الترجمة حديث مالك- رحمه الله-. وفيه: «أن الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله» فأعجلته المنية. ويحتمل عندي أن يكون البخاري أراد التنّبيه على أن الشهادة لا تنحصر في القتل، بل لها أسباب أخر. وتلك الأسباب أيضاً اختلفت الأحاديث في عددها. ففي بعضها خمسة، وهو الذي صح عند البخاري، ووافق شرطه. وفي بعضها سبعة. ولم يوافق شرط البخاري، فنبه عليه في الترجمة، إيذاناً بأن الوارد في عددها من الخمسة أو السبعة. ليس على معنى التحديد الذي لا يزيد ولا ينقص. بل هو إخبار عن خصوص فيما ذكر الله. والله أعلم بحصرها. .باب إضمار الخيل للسبق: قلت: رضي الله عنك! إن قيل: كيف ترجم على إضمار الخيل للسبق، وذكر المسابقة للخيل التي لم تضمر؟. قيل: إنما كان البخاري يترجم على الشيء من الجهة العامة، فقد يكون ثابتاً، وقد يكون منفياً. فمعنى قوله: باب إضمار الخيل للسبق أي هل هو شرط أم لا؟ فبيّن أنه ليس بشرط، لأنه صلى الله عليه وسلم سابق بها مضمرة وغير مضمرة. وهذا أقعد بمقاصد البخاري من قول الشارح: إنما ذكر طرفاً من الحديث ليدل على تمامه، وقد سبق إتمامه، لأن للقائل أن يقول: إذا لم يكن بدّ من الاختصاص، فذكر الطرف المطابق للترجمة أولى في البيان، لاسيما والطرف المطابق هو أول الحديث. إذ أوّله: عن ابن عمر، سابق النبي صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي أضمرت من الحفياء إلى ثنية الوداع. ثم ذكر الخيل التي لم تضمر، كما ساقه في هذه الترجمة، فحمله على تأويلنا لا معترض عليه إن شاء الله تعالى. .باب غزو النساء، وقتالهن مع الرجال: قلت: رضي الله عنك! بوب على غزوهن وقتالهن، وليس في الحديث أنهن قاتلن. فإما أن يريد أن إعانتهن للغزاة غزو، وإما أن يريد إنهن ما ثبتن للمداوة وليسقي الجرحى في حالة الهزيمة، وإلا هن يدافعن عن أنفسهن. هذا هو الغالب. فأضاف إليهن القتال لذلك. والله أعلم. .باب الخروج آخر الشهر: قلت: رضي الله عنك! فيه السفر في غير يوم الخميس فتأمله. ويتعين أن يكون هاهنا يوم السبت فتدبره وموقع الترجمة من الفقه الرد على من يزعم من القائلين بتأثير الكواكب أن الحركة آخر الشهر في محاق القمر مذمومة. .باب التوديع: قلت: فيه أن المسافر يودع المقيم. وفيه النسخ قبل الفعل. .باب السمع والطاعة للإمام ما لم يأمر بمعصية: قلت: رضي الله عنك! فيه أن المنفي محمولّ فيه، وفي أمثاله، على الحقيقة الشرعية، لا على الحقيقة الوجودية، لأن قوله: «فلا سمع ولا طاعة» يقابل قوله: «السمع والطاعة حق» فكأنه قال: فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة شرعيين. .باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به: وبهذا الإسناد: «من أطاعني فقد أطاع الله. ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني. ومن يعص الأمير فقد عصاني. فإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه، ويتقى به فإن أمر بتقوى الله سبحانه وعدل، فإن له بذلك أجراً. وإن قال بغيره، فإن عليه منه». قلت: رضي الله عنك! وجه مطابقة الترجمة لقوله: «نحن الآخرون السابقون» إن معنى قوله: يقاتل من ورائه أي من أمامه، فأطلق الوراء على الأمام، لأنهم، وإن تقدّموه في الصورة، فهم أتباعه في الحقيقة. والنبي صلى الله عليه وسلم يقدم عليه غيره بصورة الزمان، لكن المتقدم عليه مأخوذ عليه العهد، أن يؤمن به وينصره، كآحاد أمته وأتباعه. ولذلك ينزل عيسى عليه السلام مأموماً. وإمام القوم منهم. فهم في الصورة أمامه. وفي الحقيقة أتباعه وخلفه. .باب البيعة في الحرب أن لا يفرّوا: فيه ابن عمر رجعنا من العام المقبل، فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم. كانت رحمة من الله فسألنا نافعاً: على أي شيء بايعهم رسول الله على الموت؟ قال: لا، على الصبر. وفيه عبد الله بن زيد: لما كان زمن الحرة أتاه آتٍ فقال له: ابن حنظلة يبايع الناس على الموت. قال: لا أبايع على هذا، بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه سلمة: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ثم عدلت إلى ظل شجرة. فلما خف الناس. قال: «يا ابن الأكوع! ألا تبايع؟». قلت: قد بايعت يا رسول الله! قال: وأيضاً، فبايعته الثانية. فقلت: يا أبا مسلم! أي شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت. وفيه أنس: كانت الأنصار يوم الخندق تقول: فأجابهم فقال: وفيه مجاشع بن مسعود: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، أنا وأخي. فقلت: بايعنا على الهجرة! قال: مضت الهجرة لأهلها. فقلت: علام تبايعنا؟ فقال: على الإسلام والجهاد. قلت: رضي الله عنك! وجه مطابقة الترجمة للآية قوله أثناءها: {فأنزل السكينة عليهم} مبنياً على قوله: {فعلم ما في قلوبهم} والسكينة السكوت والطمأنينة في موقف الحرب. دلّ ذلك على أنهم أضمروا في قلوبهم الثبوت، وأن لا يفرّوا فأعانهم على ذلك، وأنزل السكينة عليهم. وإنما أضمروا أن لا يفّروا وفاءً بالعهد. .باب الجعائل والحملان في السبيل: قلت: قد أوسع الله سبحانه عليّ. قال: إن غناك لك. وإني أحب أن يكون من مالي في هذا الوجه. وقال عمر: إن ناساً يأخذون من هذا المال، ليجاهدوا. ثم لا يجاهدون، فمن فعل فنحن أحق بماله حتى نأخذ منه ما أخذ. وقال طاوس ومجاهد: إذا دفع لك شيئاً تخرجه في سبيل الله فاصنع به ما شئت وضعه عند أهلك. فيه عمر: حملت على فرس في سبيل الله، فرأيته يباع. فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أشتريه؟ قال: «لا تشتر، لا تعد في صدقتك». وفيه أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشقّ على أمتي ما تخلفت عن سرية، ولكن لا أجد حمولة، ولا أجد ما أحملهم عليه، ويشقّ عليّ أن يتخلفوا». الحديث. قلت: رضي الله عنك! فيه أن كل من أخذ مالاً من بيت المال على عمل، إذا أهمل العمل ردّ ما أخذ بالقضاء. وكذلك الأخذ منه على عمل لا يتأهل له. ولا يلتفت إلى تخيلّ أن الأصل في مال بيت المال الإباحة للمسلمين، لأنا نقول: الأخذ منه على وجهين: أحدهما: إن الآخذ مسلم، فله نصيب كاف على وجه. والآخر: الآخذ على عمل فإنما يستحق بوفائه. .باب الأجير: فيه يعلي: قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فحملت على بكر فاستأجرت أجيراً، فقاتل رجلا، فعضّ أحدهما الآخر، فانتزع يده من فيه، فنزع ثنيتّه. الحديث. قلت: رضي الله عنك! مقصود الترجمة جواز الأجرة على الغزو، والإسهام للأجير أجنبي عنها. والله أعلم. .باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: فيه أبو هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي. قال أبو هريرة: وقد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنتم تنتثلونها. وفيه ابن عباس: إن أبا سفيان أخبره، أن هرقل لما قرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات، فخرجنا. فقلت لأصحابي: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة. إنه يخافه ملك بني الأصفر. قلت: رضي الله عنك! موضع الترجمة من خبر أبي سفيان قوله: «يخافه ملك بني الأصفر». .باب من أخذ بالركاب ونحوه: قلت: رضي الله عنك! موضع الترجمة: «وتعين الرجل على دابتّه فيحمل عليها» فيندرج تحته الأخذ بالركاب، لا من جهة عموم صيغة الفعل فإنه مطلق. ولكن بالمعنى المساوق. .باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو: وقد تابعه ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أرض العدو، وهم يعلمون القرآن. فيه ابن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن. قلت: رضي الله عنك! الاستدلال بسفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم يعلّمون القرآن، على الترجمة ضعيفٌ، لأنها واقعة عين فلعلهم علموه تلقينا، وهو الغالب حينئذٍ. والله أعلم. .باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة: قلت: رضي الله عنك! حمله بعضهم على النوافل، وحجر واسعاً. بل تدخل فيه الفرائض التي شأنه أن يعمل بها وهو صحيح. إذا عجز عن جملتها، أو عن بعضها بالمرض كتب له أجر ما عجز عنه فعلاً، لأنه قام به عزماً أن لو كان صحيحاً، حتى صلاة الجالس في الفرض لمرضه يكتب له عنها أجر صلاة القيام. والله أعلم. وظاهر الترجمة أنه نزّله على إطلاقه. .باب السير بالليل وحده: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل نبي حواريًّا، وحواريّ الزبير». قال سفيان. الحواري الناصر. وفيه ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده». قلت: رضي الله عنك! سير الزبير ليتجسس للمسلمين فالوحدة فيه مطلوبة، بخلافها في السفر. .باب الجهاد بإذن الأبوين: قلت: رضي الله عنك! وجه الترجمة أنه أثبت لهما حق يقدّم على الجهاد. والقاعدة أن ذا الحق إذ أسقط حقّه سقط. .باب الأسارى في السلاسل: قلت: رضي الله عنك! إن كان المراد حقيقة وضع السلاسل في الأعناق، فالترجمة مطابقة. وإن كان المراد المجاز عن الإكراه، فليست مطابقة. .باب فضل من أسلم من أهل الكتابين: ثم قال الشعبي: أعطيتكها بغير ثمن، وقد كان الرجل يرحل في أهون منها إلى المدينة. قلت: رضي الله عنك! إن قيل مؤمن أهل الكتاب لابد أن يكون مؤمناً به صلى الله عليه وسلم للعهد المتقدم والميثاق، فإذا بعث صلى الله عليه وسلم فإيمانه الأول يستمر. فكيف يعدد حتى يتعدد أجره. قلت: رضي الله عنك! إيمانه الأول بأن الموصوف كذا رسول. ثانياً أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الموصوف، وهما معلومان متباينان. .باب أهل الدار يبيتون، فيصاب الولدان والذراري نياماً ليلاً: قلت: رضي الله عنك! العجب لزيادته في الترجمة- نياماً- وما هو في الحديث، إلا ضمناً، لأن الغالب أنهم إذا وقع بهم في الليل، لم يخلوا من نائم، وما الحاجة إلى كونهم نياماً وأيقاظاً، وهم سواء إلى أن قتلهم نياماً أدخل في الغيلة؟ فنبّه على جوازها في مثل هذا. .باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق: وفيه أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قرصت نملة نبيا فأمر بقرية النمل فأحرقت. فأوحى الله تعالى إليه، أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبّح». قلت: رضي الله عنك! كأنه جمع بين حديث: «لا تعذبوا بعذاب الله»، وبين هذا، فحمل الأوّل على غير سبب. وحمل الثاني على مقابلة السيئة بمثلها من الجهة العامة، وإن لم تكن من نوعها الخاص. وإلا فما في الحديث أن الرهط فعلوا بالرعاء ذلك. وهو أحسن من تقدير ابن بطال عليه أنه استدلال أولويّ لأنهم إذا سملوا ولم يفعلوا، فأولى لهم إذا فعلوا. .باب حرق الدور والنخيل: وفيه ابن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم حرّق نخل بني النضير. قلت: رضي الله عنك! الترجمة أعمّ إذ المحرق بيت الصنم فلم تحرق بيوت السكنى. .باب قتل المشرك النائم: وقال البراء: إن عبدالله بن عتيك دخل عليه بيته وهو نائم. قلت: رضي الله عنك! يعني بالنائم المضطجع، لا خلاف اليقظان، وإلا فلا مطابقة بين الترجمة والحديث. .باب الكذب في الحرب: قلت: رضي الله عنك!. الترجمة غير مخلصة إذ يمكن جعله تعريضاً. فإن قوله: عنّانا أي كلفنا. والأوامر والنواهي تكاليف. وسألنا الصدقة أي طلبها منا بأمر الله سبحانه. ونكره أن ندعه حتى ننظر ما يصير أمره معناه: نكره العدول عنه مدة بقائه صلى الله عليه وسلم. فما فيه دليل على جواز الكذب الصريح، ولاسيما إذا كان في المعاريض مندوحة. .باب من لا يثبت على الخيل: قلت: رضي الله عنك! وجه دخول الترجمة في الأحكام أن الحديث يدلّ على فضيلة ركوب الخيل والثبوت عليها. ولولا ذلك لما دعا به. .باب من رأى العدّو فنادى بصوته: يا صباحاه حتى يسمع الناس: قلت: من أخذها؟ قال: غطفان وفزارة. فصرخت ثلاث صرخات أسمعت ما بين لابتيها يا صاحباه يا صاحباه، ثم اندفعت حتى ألقاهم وقد أخذوها، فجعلت أرميهم وأقول: فاستنقذتها منهم قبل أن يشربوا، فأقبلت بها أسوقها. فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن القوم عطاش وإني أعجلتهم أن يشربوا سقيهم فابعث في إثرهم. فقال: «يا ابن الأكوع ملكت فأسجح، إن القوم يقرون في قومهم». قلت: رضي الله عنك! موضعها من الفقه أن هذه الدعوة ليست من دعوى الجاهلية المنهي عنها: إما لأنها استغاثة على الكفار. وإما لأنها استغاثة عامة لا تنتدب فيها قبيلة مخصوصة. .باب من قال: أنا ابن فلان: فيه البراء: أمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يول يوم حنين. كان أبو سفيان آخذاً بعنان بغلته، فلمّا غشيه المشركون نزل، فجعل يقول: «أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب» فما رئي في الناس يومئذ أشد منه صلى الله عليه وسلم. قلت: رضي الله عنك! موضعها من الفقه أنها خارجة عن الافتخار المنهي عنه لاقتضاء الحال. ذلك خلاف إنكارها على القائل: «أنا فجعل يقول: أنا أنا». .باب إذا نزل العدّو على حكم رجل: قلت: رضي الله عنك! موضع الترجمة من الفقه لزوم حكم المحكم برضا الخصمين، وإن لم ينتصب عموماً. .باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان: قلت: رضي الله عنك! الترجمة أعمّ لأن الجاسوس حكمه غير حكم الحربي المطلق الداخل بغير أمان. .باب التجمل للوفود: قلت: رضي الله عنك! موضع الترجمة أنه صلى الله عليه وسلم ما أنكر عليه طلبه للتجمل وإنما المنكر التجمل بهذه الأصناف المنهي عنها. .باب كيف يعرض الإسلام على الصبي: قلت: رضي الله عنك! فائدة صحة العرض عليه اعتبار إسلامه وكفره. وهل هو اعتبار مطلق أو مقيد مختلف فيه؟ .باب إذا أسلم قوم في دار الحرب، ولهم مال وأرضون فهي لهم: وفيه عمر: إنه استعمل مولى له يدعى هنياً على الحمى. فقال: يا هني! اضمم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المظلوم، فإنها مستجابة. وأدخل ربً الصريمة والغنيمة وإياي ونعم ابن عوف وابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع. وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه فيقول يا أمير المؤمنين؟ أفأتركهم أنا، لا أبالك. فالماء والكلأ أيسر على من الذهب والورق. وأيم الله إنهم ليروني إني قد ظلمتهم إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام. والذي نفسي بيده، لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله، ما حميت عليهم من بلادهم شبراً. قلت: رضي الله عنك! مطابقة الترجمة للحديث الأول على وجهين: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سئل: هل ينزل بداره بمكة؟ وهو مبين في بعض الحديث وقوله: «وهل ترك لنا عقيل منزلاً»؟ بين لأنه إذا ملك ما استولى عليه في الجاهلية من ملك النبي صلى الله عليه وسلم فكيف لا يملك ما لم يزل له ملكاً أصالة؟ وإما أن يكون سئل هل يترك من منازل مكة شيئاً، لأنها فتحت عنوة؟ فبيّن أنه منّ على أهلها بأنفسهم وأموالهم فتستقر أملاكهم عليها كما كانت. وعلى التقديرين فأهل مكة ما أسلموا على أملاكهم، ولكن منّ عليهم ثم أسلموا فإذا ملكوا وهم كفار بالمنّ، فملك من أسلم قبل الاستيلاء أولى. وأما حديث عمر في المدينة فمطابق للترجمة مطابقة مبينة، غير أن عبد الرحمن وعثمان لم يكونا من أهل المدينة، ولا دخلاً في قوله: «قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام». فالكلام عائد على أهل المدينة لا عليهما. والله أعلم. .باب كتابة الإمام الناس: وروى أبو حمزة عن الأعمش: خمسمائة وقال أبو معاوية: ما بين ستمائة إلى سبعمائة. وفيه ابن عباس: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني كتبت غزوة كذا وكذا، وامرأتي حاجة. قال ارجع فحجّ مع امرأتك. قلت: رضي الله عنك! موضع الترجمة من الفقه أن لا يتخيل أن كتابته الناس إحصاء لعددهم وقد تكون ذريعة لارتفاع البركة منهم، كما ورد في الدعوات على الكفار: «اللهم أحصهم عدداً» أي ارفع البركة منهم. فإنما خرج هذا من هذا النحو لأن الكتابة لمصلحة دينية. والمؤاخذة التي وقعت، ليست من ناحية الكتابة ولكن من إعجابهم بكثرتهم، فأدبوا بالخوف المذكور في الحديث. ثم إن الترجمة تطابق الكتابة الأولى وأما هذه الثانية فكتابة خاصة لقوم بأعيانهم. .باب إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر: قلت: رضي الله عنك! موضع الترجمة من الفقه أن لا يتخيل في الإمام والسلطان الفاجر إذا حمى حوزة الإسلام أنه مطرح النفع في الدين لفجوره، فيخرج عليه ويخلع، لأن الله قد يؤيد دينه به، فيجب الصبر عليه والسمع والطاعة له، في غير المعصية. والله أعلم. ومن هذا الوجه استحسان الدعاء للسلاطين بالتأييد والنصر، وغير ذلك من الخير، من حيث تأييدهم للدين، لا من حيث أحوالهم الخارجة. .باب من تكلم بالفارسية والرطانة: فيه جابر: قلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعاً من شعير، فتعال أنت ونفر. فصاح النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أهل الخندق! إن جابراً قد صنع سؤراً فحيّ هلا بكم». وفيه أم خالد: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي وعليّ قميص أصفر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سنه سنه». قال ابن المبارك: وهي بالحبشية: حسنة. قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة. فزبرني أبي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبلي وأخلقي ثلاث مرات» قال عبدالله فبقيت حتى ذكر. وفيه أبو هريرة: أن الحسن بن على أخذ تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية: «كخ كخ. أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة». السؤر: الوليمة بالفارسية. قلت: رضي الله عنك! موضع الترجمة في الحديث مطابق إلا قوله صلى الله عليه وسلم. ووجه مناسبته في الجملة أنه خاطبه صلى الله عليه وسلم بما يفهم مما لا يتكلم به الرجل. فهو كمخاطبته العجمي بما يفهمه من لغته. .باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في الغنائم: قلت: رضي الله عنك! وجه المطابقة أنه أكفأ القدور، لأن الذبح كان تعدّيا على حق الغير. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المذبوح تعدّيا سرقة أو غصبا ميتة وله انتصر البخاري. والله أعلم. .باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله، وتجريدهن: قلت: رضي الله عنك! ما في الحديث دليل على أنها كانت مؤمنة ولا ذمية ولكن لما استوى حكمها في حرمة الفاحشة والنظر لغير الحاجة، شملها الدليل. .كتاب فرض الخمس: .باب أداء الخمس من الدين: قال الفقيه- وفقه الله-: وترجم عليه- أداء الخمس من الإيمان-، وفائدة الجمع بين الترجمتين: إن قدرنا الإيمان قول وعمل دخل أداء الخمس من الإيمان. وإن قلنا: إنه التصديق بالله دخل أداؤه في الدين. وهو عندي في لفظ هذا الحديث خارج عن الإيمان داخل في الدين لأنه ذكر أربع خصال: أولها الصلاة، وآخرها أداء الخمس، دلّ أنه لم يعن بالأربع إلا هذه الفروع. وأما الإيمان الذي أبدل منه الشهادة، فخارج عن العدد. فلو جعل الإيمان بدلا من الأربع لاختل الكلام أيضاً. والذي يخلص من ذلك كله إخراج الإيمان من الأربع، وجعل الشهادة بدلاً منه. وكأنه قال: آمركم بأربع أصلها الإيمان الذي هو الشهادة. ثم استأنف بيان الأربع، كأنه قال: والأربع إقام الصلاة، إلى آخره. ولا ينتظم الكلام إلا كذلك. والله أعلم. .باب نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته: وفيه عائشة: توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال عليّ، فكلته ففني. وفيه عمرو بن الحارث: ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا سلاحه، وبغلته البيضاء، وأرضاً تركها صدقة. قلت: رضي الله عنك! وجه مطابقة الترجمة لحديث عائشة. قولها: فأكلت منه حتى طال عليّ فكلته ففني. ولم تذكر أنها أخذته في نصيبها. إذ لو لم تكن لها النفقة مستحقة لكان الشعير الموجود لبيت المال، أو مقسوماً بين الورثة، وهي إحداهن. ووجه مطابقتها للحديث الذي بعده قوله: «وأرضاً تركها صدقة»، لأنها الأرض التي أنفق على نسائه منها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، على ما هو مشروح في الحديث. .باب ما جاء في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، وما ينسب من البيوت إليهن: فيه عائشة رضي الله عنها: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له. وقالت: توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي، وفي نوبتي، وبين سحري ونحري، وجمع الله بين ريقي وريقه. وفيه صفية: أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم تزوره، وهو معتكف في العشر الأواخر من رمضان، ثم قامت تنقلب وقام معها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ قريباً من باب المسجد، عند باب أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث. وفيه ابن عمر: ارتقيت فوق بيت حفصة. وفيه عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليّ العصر، والشمس لم تخرج من حجرتها. وفيه ابن عمر: قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: «الفتنة هاهنا- ثلاثاً- من حيث يطلع قرن الشيطان». وفيه عائشة: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها، وإنها سمعت إنساناً يستأذن في بيت حفصة. الحديث. قلت: رضي الله عنك! وجه دخول الترجمة في الفقه، أن سكناهن في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من الخصائص كما استحققن النفقة. والسر في ذلك حبسهن عليه أبداً. وساق البخاري الأحاديث التي تنسب إليهن البيوت فيها تنبيهاً على أن هذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن للبيوت ما بقين. والله أعلم. .باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم، وعصاه وسيفه، وقدحه، وخاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم تذكر قسمته، ومن شعره ونعله، وآنيته مما يتبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته: وفيه أنس: إنه أخرج نعلين جرداوين لهما قبالان، وهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه أبو بردة: أخرجت إلينا عائشة كساءً ملبّداً. وقالت: في هذا نزع روح- النبي صلى الله عليه وسلم-. وقال مرّة: أخرجت إلينا إزاراً غليظاً مما يصنع باليمن وكساءً ملبّداً. وفيه أنس: إن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضّة. وفيه علي بن حسين: إنه لقي المسور بن مخرمة حين قدموا المدينة من عند يزيد مقتل الحسين بن علي. فقال المسور: هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها فقلت له: لا. فقال: هل أنت معطى سيف النبي صلى الله عليه وسلم، فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه. وأيم الله لئن أعطيتنيه لأتخلص إليه أبداً حتى تبلغ نفسي. إن عليّ بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس في ذلك على منبره، وأنا يومئذ محتلم. فقال: «إنّ فاطمة مني، وأنا أخاف أن تفتن في دينها». إلى قوله: «والله لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله أبداً». وفيه ابن الحنفية: قال: لو كان عليّ ذاكراً عثمان، ذكره يوم جاء أناس فشكوا إليه سعاة عثمان، فقال لي عليّ: اذهب إلى عثمان فأخبره أنها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر سعادتك يعملون بها، فأتيته بها. فقال: أغنها عنّا. فأتيت بها عليّا فأخبرته فقال: ضعها حيث أخذتها. وقال ابن الحنيفية أيضاً: أرسلني أبي، خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان، فإنّ فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة. قلت: رضي الله عنك! وجه دخول الترجمة وأحاديثها في الفقه تحقيق أنه صلى الله عليه وسلم لم يورث وأن آلاته بقيت عند من وصلت إليه للتبرك. ولو كانت ميراثاً لاقتسمها ورثته. .باب قوله تعالى: {فإن لله خمسه وللرسول} [الأنفال: 41]: فيه جابر: ولد لرجل منا من الأنصار غلام، فأراد أن يسميه محمداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي». إنما جعلت قاسماً وبعثت قاسماً. أقسم بينكم. وقال جابر: ولد لرجل منا غلام، فسماه القاسم. فقالت الأنصار: لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عيناً. فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أحسنت الأنصار، سمّوا باسمي ولا تكنوا بكنيتي. فإنما أنا قاسم». وفيه معاوية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يفقّهه في الدين. والله المعطي، وأنا القاسم». وقال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت». وفيه خولة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ رجالاً يتخوّضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة». قلت: رضي الله عنك! وجه مطابقة الأحاديث للآية تحقيق أن المراد فيها بذكر الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو تولّيه للقسمة، لا لأنه يملك خمس الخمس، كما قاله بعض العلماء، لأنه حصر حاله في القسمة بإنما فخرج الملك. .باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره: قلت: رضي الله عنك! مقتضى الحديث أنّ من قاتل للمغنم، فليس في سبيل الله. وهذا لا أجر له البتة. فكيف تطابق ترجمته عليه بنقص الأجر؟ .باب قسمة الإمام ما يقدم عليه، ويخبأ لمن يحضره أو غاب عنه: قلت: رضي الله عنك! في الكلام المشهور بين الناس الهدية لمن حضر، وفي هذا الحديث خلاف ذلك. وإن الأمر موكول إلى الاجتهاد. .باب الغازي في ماله حيًّا وميّتاً، مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر: قلت: رضي الله عنك! وجه مطابقة الترجمة للحديث أن الزبير ما وسع عليه بولاية ولا جباية، بل ببركة غزوه مع النبي صلى الله عليه وسلم. فبارك الله فيها سهماً من الغنائم لطيب أصلها، وسداد معاملته فيها. ووهّم شارح البخاري راويّ الحديث في أسباب الجملة، فقال: التحقيق: إنها سبعة وخمسون ألف ألف وتسعمائة ألف. ووهم الشارح أيضاً إنما هي وستمائة ألف. .باب من الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين: وفيه أبو موسى: بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن. فخرجنا مهاجرين أنا وإخوان لي أنا أصغرهم. أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم، إما في بضع أو ثلاثة وخمسين رجلاً من قومي. فركبنا سفينة فألقتنا السفينة إلى النجاشي بالحبشة ووافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إن النبي صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا. فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا- أو قال- فأعطانا منها. وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم. قلت: رضي الله عنك! الأحاديث مطابقة للترجمة إلا حديث أبي موسى فإن ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم لهم من أصل الغنيمة مع القائمين وإن كانوا غائبين تخصيصاً لهم، لا من الخمس إذ لو كان منه لم تظهر الخصوصية لأن الخمس لعامة المسلمين. والحديث ناطق بها. والله أعلم. .كتاب الجزية: .باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب: وقال ابن عيينة: عن ابن أبي نجيح قلت لمجاهد: ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار. قال: جعل ذلك من قبل اليسار. فيه جابر بن زيد: عن بجالة قال: كنت كاتباً لجزء بن معاوية عم الأحنف وأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة: فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد ابن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر. وفيه عمر بن عوف: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة إلى البحرين يأتي بجزيتها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدومه فوافقت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف تعرضوا إليه فتبسّم حين رآهم، وقال: «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء». قالوا: أجل. قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم». وفيه جبير بن حية: بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين. فأسلم الهرمزان، فقال: إني مستسرك في مغازيّ هذه، قال نعم مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له رأس وله جناحان وله رجلان. فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بالجناح والرأس وانكسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس وإن شرح الرأس ذهبت الجناحان والرجلان. والرأس كسرى والجناح قيصر والجناح الآخر فارس فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى. قال جبير: فندبنا عمر. واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدّو وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفاً فقال ترجمان له: ليكلمني رجل مسلم فقال المغيرة: سل عما شئت. قال: ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء شديد نمصّ الجلد والنوى من الجوع ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الحجر والشجر. فبينا نحن كذلك إذ بعث إلينا رب السموات وربّ الأرض نبيًّا من أنفسنا نعرف أباه وأمّه فأمرنا نبيّنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدّوا الجزية. وأخبرنا نبينّا عن رسالة ربّنا أنه من قتل منّا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثله قط. ومن بقى منّا ملك رقابكم فقال النعمان: ربما أشهدك الله مثلها مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يندّمك ولم يخزك. ولكن شهدت القتال مع النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً، كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات. قلت: رضي الله عنك! إن أراد البخاري بالموادعة عقد الذمة لهم بأخذ الجزية وإعفائهم بعد ذلك من القتل، فهذا حكم الجزية. والموادعة غير ذلك. وإن أراد مشاركة قتالهم مع إمكانه قبل الظفر بهم، وهو معنى الموادعة فما في هذه الأحاديث ما يطابقها إلا تأخر النعمان عن مقابلة العدو وانتظاره زوال الشمس فهو موادعة في هذا الزمان مع الإمكان لمصلحة. والله أعلم. .باب إذا وادع الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيّتهم: قلت: رضي الله عنك! المسألة المختلف فيها بين العلماء إذا وادع الملك عن رعيته عموماً أو خصوصاً ولم ينصّ على نفسه. هل يدخل ضمناً وعادةً أو لا يدخل إلا لفظاً والأصل بقاؤه على إباحة الدم؟ وما في حديث صاحب أيلة كيفية طلب الموادعة، هل كان لنفسه أولهم أو للجموع؟ لكنه نسب الهدية إليه خاصة ونسب الموادعة للجميع، فأخذ من ذلك أن مهادنة الملك أو غيرها لا يدخل فيها الرعيّة إلا بنصّ على التخصيص. .باب إذا قالوا: صبأنا ولم يحسنوا أسلمنا: وقال عمر: إذا قال (مترس) فقد آمن إن الله يعلم الألسنة كلها. وقال: تكلّم. لا بأس. قلت: رضي الله عنك! مقصود الترجمة أن المقاصد تعتبر بأدلتها كيف ما كانت الأدلة لفظية أو غيرها، على لفظ لغة العرب أو غيرها. .باب طرح جيف المشركين في البئر ولا يؤخذ لها ثمن: قلت: رضي الله عنك! الظاهر أن البخاري بلغه حديث ابن أبي ليلى في أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتروا منه جثث القتلى، فأبى، لكن لم يوافق شرط البخاري فتلقى معناه من هذا الحديث إذ العادة تشهد أن أهل هؤلاء القتلى لو فهموا أنّه يقبل منهم فداء أجسادهم لبذلوا الرغيب فيها، لكنهم يئسوا أن يقبل ذلك منهم. ففهم مقصود الحديث من الترجمة بهذه الطريقة. .باب إثم الغادر للبرّ والفاجر: وفيه ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكلّ غادر لواءٌ ينصب بغدرته». وفيه ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «إن هذا بلد حرّمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمته إلى يوم القيامة وأنه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل إلا لي ساعة من نهار، فهو حرام لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها- ولا يختلي خلاها». الحديث. قلت: رضي الله عنك! وجه مطابقة الترجمة لحديث مكة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نصّ على أنها اختصّت بالحرمة إلا في الساعة المستثناة. وليس المراد حرمة قتل المؤمن البر فيها، إذ كل بقعة كذلك. فالذي اختصّت به حرمة قتل الفاجر المتأهل للقتل. فإذا استقرّ أن الفاجر قد حرم قتله لعهد الله الذي خصّها به. فإذا خصّ أحد فاجراً بعهد الله في غيرها لزم نفوذ العهد له وثبوت الحرمة في حقه، فيقوى عموم الحديث الأول في الغادر بالبّر والفاجر.
|